ما هي الديمقراطية الرقمية، ولماذا تهمّ منطقتنا؟
في هذا العصر الجديد الذي تعيد فيه التكنولوجيا تشكيل تفاصيل حياتنا اليومية، وكيف نعيش ونتواصل ونشارك في الشأن العام، يزداد الاهتمام بمفهوم “الديمقراطية الرقمية”. وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تتقلّص المساحات المدنية وتتزايد أشكال القمع الرقمي، لا يأت هذا النقاش في وقته المناسب فقط، بل اصبح ضرورة ملحّة.
ما المقصود بالديمقراطية الرقمية؟
تشير الديمقراطية الرقمية إلى استخدام التكنولوجيا لدعم القيم الديمقراطية مثل المشاركة، والشفافية، والمساءلة، والانخراط في الشأن العام. هي الفضاء الذي يتيح للناس استخدام الأدوات الرقمية لإسماع أصواتهم، وتنظيم جهودهم، والتأثير في القرارات التي تمسّ حياتهم/ن ومجتمعاتهم/ن.
ابتكار محلي وأثر مدني
رغم التحديات، برزت مبادرات مدنية وتقنية واعدة في المنطقة. في المغرب، توفّر منصات مثل لوحة المساءلة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أداة قوية للمجتمع المدني لمراقبة أداء القطاع العام والمطالبة بالشفافية والإصلاح. تتيح هذه المنصة عرضًا بصريًا للبيانات المرتبطة بالممارسات الحكومية، ما يعزز المساءلة المجتمعية على المستوى الإقليمي.
في الأردن، ساهمت منصات مثل حبر في رفع الوعي القانوني وتقديم صحافة مستقلة، في حين مكّن مشروع راصد (التابع لمركز الحياة) من مراقبة الانتخابات بشفافية.
في لبنان، تقدم المفكرة القانونية تحليلات قانونية مبسطة وتوثيقًا لانتهاكات الدولة، بينما تتيح منصة مرصد مجلس النواب للمواطنين/ات تتبع أنشطة البرلمان ومساءلة النواب. كما برزت مبادرات جديدة مثل غربال وثورة التي تساهم في بناء الشفافية وسرد الروايات الرقمية،
أما منصة SmartGov فتسعى إلى تعزيز مشاركة المواطنين/ات في الخدمات الحكومية من خلال أدوات رقمية سهلة الاستخدام. تقدم المنصة بوابات وخدمات معلوماتية تفاعلية تساعد على تسهيل الوصول إلى البيانات العامة، وتحسين التواصل بين الجهات الرسمية والجمهور، وزيادة الشفافية الحكومية.
مبادرات مثل Code for MENA والمختبرات الرقمية المجتمعية تعمل على تمكين الصحفيين/ات والمطورين/ات والناشطين/ات الشباب لإنتاج حلول رقمية تستجيب لتحديات واقعية، عبر أدوات ومشاريع مبنية على احتياجات الناس.
هذه ليست مجرد حلول تقنية، بل تدخلات سياسية تُعيد الحياة للمجال الرقمي كمساحة للممارسة الديمقراطية.
من الذي يتم اقصاءه؟
في المقابل، لا يمكن تجاهل التفاوتات داخل العالم الرقمي. ليست كل الفئات قادرة على الوصول إلى الإنترنت أو استخدام أدوات رقمية آمنة. لا تُسمَع جميع الأصوات، وبعضها يتم إسكاتها عمدًا.
توثّق منظمات نسوية وكويرية مثل WILPF وILGA حجم العنف الرقمي الذي يطال النساء والأشخاص من مجتمع الميم والناشطين من خلفيات مهمشة. قد يعيد الفضاء الرقمي إنتاج علاقات القوة نفسها التي نراها خارج الإنترنت، أو حتى يُعمّقها.
الدفاع عن الحقوق الرقمية
الديمقراطية الرقمية ليست مسألة تقنية فقط بل قضية سياسية. إنها مرتبطة بحق التنظيم والتعبير والمشاركة في الحياة العامة، سواء على الإنترنت أو خارجه.
بالنسبة للمجتمع المدني في المنطقة، هذا يعني الدفاع عن فضاءات رقمية آمنة وشاملة وفعّالة، ومقاومة القمع، وبناء أدوات ومنصات وحملات تنطلق من حاجات المجتمعات المحلية، ومن مبدأ العدالة.
مستقبل الديمقراطية الرقمية في منطقتنا لا يتعلّق بالتكنولوجيا فقط، بل بمن يستخدمها، ولأجل من، وبأي هدف.



